أيام من حياتي


أيام من حياتي



تهوج الأيام ... وتعصف بي رياحها على أماليد(1) الماضي مرفرفة أوراقها...
مقطرة من رحم ثغرها ذكريات عشتها .. ولا زلت أعيشها متنفسا أريجها الفواح في هذا الزمان الوضاح ...
يقف الآن ماثلكم..على فترة يدق باب صَرِيمها...أمام وهيج شعاعها يدفعه مستعطفا بزناد قلمه ..فيبعثر حروفه من عين فيهِ.. قادحا قوه القدح في زواجها ..
و حين أهيم شعوره بما مضى ..
استبشر واقفا على ضفاف أنهارها ... مخدرا أطرافه بجمال خرير شلالها..



مكحلا مقلتيه بريشة يثملها من ركاياها (2)...



صادعا أرضها فيرى نورا يتفجر و يتشعشع في نواح من وهادها و روابيها .... و أمام خيرات أينعت أمام ناظريه استعذب اللسان وانتشت الروح نشوة المحبوب وباشر بين ظهرانيكم في الإغداق ...
أحاول .. مسترجعا تلك الذكريات بلبس عباءة دبجها غبس الفوت ..و رفها زركشات من بهيجها كأن لها صوت ..
وسأهيج قعقاعها الآن على صراط السطور ..
: فيا عبير الماضي .. اسعفني بذكريات عليها سلكت .. وإلى مدارج الحاضر عليها ارتقيت ...
وإليكم ما مضى من زهر وريحان ...
حقيقة و أنا على رفرف خضر واستبرق بالقرب من عتبة العنوان
( أيام من حياتي ) كنت كالصقر العاقص الذي يتهيأ بالدخول من بوابته ..
ولكن لجني بأن أمشط كلماته.. لأرى في زغباته(3) طيفا فأظهر منه أياما أضحت فيه المزايا ..



و أطمر منه أياما كانت عظيمة الرزايا ...
أيام من حياتي .. تلك الايام .. التي توجتها بدرة بصَّها كلام أدخلته ولُتُّه(4) في شقوق واخاديد صدري ..



فكانت تلك الأيام درة التاج ..
إنها الأيام .. التي في حرورها وافيائها اعتكف لساني على محراب
كلام رب العالمين حفظا و ترتيلا في الميادين ..حتى كاد سقف اللسان بأن يكون مشكاة تتكلم بضوء القرآن ..



وتكاد عوارضي حين تشرأب ..تبزغ كلآلئ مقمَّرة من أقمار الفرقان ...
في تلك الأيام .. كأني ولدت من جديد في هذه الحياة .. حاملا في جعبة صدري
أفصح الكلمات .. وأجمل العبارات .. وأبين الحروف .. عالِما ما فيها من اخبار الأولين والآخرين ..



و وصف السماوات والأراضين ..وسير الأنبياء والمرسلين و علامات المنافقين و الصالحين ..



و وصف الجنة دار المؤمنين و وصف النار مقر الكافرين
حاملا فيها حقيقة العقيدة التي دعا إليها أشرف الخلق محمد صلى الله عليه وسلم
التي أخرجت وتخرج أناسا من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ..



ومن سجن الطبيعة وظلمة الدنيا وجور الأديان.. إلى عدل الإسلام و نور الإيمان ..
وتقاذفتني الذكريات.. حينما وصلت إلى ذروة الفرقان حفظا ..



وانا ملقى بتريل القرآن على راحات الأيات أمام محفظي وشيخي رعاه الله وحفظه المولى ..
وما إن وصلت إلى آخر آية في سورة المائدة حتى سجدت سجدة شاكرا لله ..



حامدا له على نعمته التي أصفدني (5) إياها واهبا وأنا في نوْر(6) عمري ..
و أردفت سجدتي بقبلة عزفت فيها شفتاي ألحان الشكر على جبين شيخي ..
هذه الذكرى من الأيام التي لاتفتأ مخيلتي أن لا تنساها ..



وأن لا تطويها نفسي وتغشيها في تراب زيف الدنياوشهواتها ..
والحمد لله رب العالمين ..



--------------
1- الأماليد : مفرد أملود : وهو الغصن الريان
2- الركايا : هي البئر
3- الزغبات : مفردها زغبة : وهي الشَعْر
4- لُتُّه : من الفعل لات .. أي كتم واخفى
5- الصَفَد : العطاء
6- النوْر : بتسكين الواو : وهو الزهر
  • Digg
  • Del.icio.us
  • StumbleUpon
  • Reddit
  • Twitter
  • RSS

0 التعليقات على موضوع "أيام من حياتي"

إرسال تعليق

( مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيد) سورة ق~